بين يدي قصة لخشوم وأخرى لفنتورة وهي إهداء كريم من الكاتبة حياة الياقوت فلها مني جزيل الشكر على منحي الفرصة للإطلاع على طرح جديد وإضافة مميزة لمكتبة الطفل لمعالجة قضايا تربوية معاصرة ومتفشية تؤثر على طريقة إدارك أطفالنا لمفهوم النجاح و والجمال.
خشوم وفنتورة شخصيتين ابتكرتها الكاتبة لتجسد كل واحدة منها قضية سلوكية في حياة الطفل وتقع كل شخصية في قصة مستقلة، وبعد قراءة القصتين على مجموعة من الأطفال أستطيع القول أن القصتين بمثابة ترياق أدبي للطفل آمل أن يسهم في تسهيل عمل المحاضن التربوية في مسيرتها لتوعية الطفل.
كل قصة تزخر برسائل تربوية وظفتها الكاتبة لتعمل كالمرشح الطبيعي في عقل الطفل من خلال ربط الأحداث السيئة بالنتيجة التي آلت إليها الشخصيتين فنتورة و خشوم.
الحبكة الأدبية ذات التسلسل الدرامي المنطقي للأحداث يقود الطفل إلى فهم النتائج السلبية المترتبة على سلوك طريق الوهم، سواء كان ذلك من أجل البحث عن الشهرة كما عند فنتورة أو الجمال عند خشوم.
وهذا الطرح الأدبي للطفل يرتكز على حقيقة أن العقل عند الطفل يقوم بعمليات ذهنية يومية تؤدي وظيفة هامة وهي تحليل المعلومات للوصول لاستنتاجات، والطفل المتلقي لهذا الكم من المعلومات نوعان: طفل حَظِي بإهتمام تربوي من خلال القراءة المفيدة والتعليم الجيد الذي يخلق مرشح طبيعي يستبعد كل معلومة تخالف ما تربى عليه، والنوع الآخر من الأطفال مصدره الوحيد تلك الرسائل التي تزدحم بها الافلام الكرتونية ومنصات التواصل والنتيجة: استنتاجات ذهنية غير صحية تنعكس على سلوكه بشكل سلبي في رؤيته للحياة وسبل النجاح فيها.
وجود شخصيات تحاكي عالم الطفل خاضت التجربة نيابة عنه ووصلت لنتائج غير سارة بلا شك سيخلق مناعة لدى الأطفال من خوض مثل هذه التجارب، وتفعيل ذلك يحتاج إلى حضور جيد ومبكر لهذه الشخصيات في ذهن الطفل من خلال عمل تربوي منظم متسق مع عمل إعلامي يجعل من هذه الشخصيات رموز عند الطفل يستحضرها عندما يرى أو يُفرض عليه نموذج مشابه في العالم الإفتراضي.
ولا أنسى أن أشيد بالحضور البديع للغة العربية ومفرداتها الواسعة في القصتين حيث لم تعمد الكاتبة إلى تسطيح اللغة المستخدمة لمخاطبة الطفل ولكن نحت نحو الأسلوب التربوي الأصيل في احترام عقلية الطفل ومخاطبته بلغة ترتقي به، وتغذي مخزون المفردات العربية لديه.
ولا شك أن نجاح مثل هذه التجربة مضمون إذا ما تذكرنا الأسلوب التربوي عند أجدادنا والذي يعتمد على ابتكار شخصيات تنسجها الجدة في حكاية هدفها سلامة الأطفال من سلوكيات تضر بهم، وأزعم أن الكاتبة استحضرت ثقافتنا التربويه الأصيلة لتضعها في قالب مناسب لأطفال اليوم ليكون ترياق من صنع حياة للطفولة.